مغامرتي الأولى في باليرمو

مغامرتي الأولى في باليرمو

Palermo, my first adventure

caburera_palermo_Batoul_res اسمي بتول حمية وعمري ثلاثة وعشرين عاماً. أتيت من قرية صغيرة في لبنان تسمى “البقاع” وهي منطقة تعاني من قلة الفرص المتوفرة للشباب لتطوير مهاراتهم وتعزيز مستقبلهم.

بالنسبة لي، يعتبر مشروع كابوريرا من أوائل خطواتي على طريق المستقبل، حيث كان بمثابة الباب المفتوح الذي منحني العديد من الفرص ومن ضمنها السفر إلى مدن جديدة وحضور الجلسات التدريبية والتعرف على أشخاص جدد وحضور مساقات دراسية. عُقد اجتماعي الأول في Cesieوهي المنظمة المستضيفة التي قابلت فيها جميع الموظفين. كانوا غاية اللطف في والترحيب.أنا أحب Cesie لأنها أعطتني الفرصة لتغيير مستقبلي والحصول على دفعة قوية على نحو جدير بالثقة. بعد ذلك، ذهبنا مع المشرف لزيارة العديد من المراكز في باليرمو، حيث كان (كاسا دي توتي لا جنتي) “بيت جميع الشعوب” أول مركز نزوره في المدينة. أحببت هذا المكان من النظرة الأولى لأنني شعرت وكأنني في بيتي ومع عائلتي. يحرص جميع من هم في البيت على رعاية بعضهم البعض ويتشاركون في الطعام والشراب والحب والسعادة والضحكة والدموع والألم والشعور والإحساس…

وبالتأكيد، كان مساق اللغة الإيطالية واحد من المزايا التي حصلت عليها من خلال مشروع كابوريرا. أنا أحب هذه اللغة: عندما يتكلم أحد الأشخاص باللغة الايطالية، فإن الأمر يشبه قيام أحدهم بغناء الأوبرا. ومن الطبيعي أن أعتبر اللغة بمثابة نغمة مغامرتي الأولى. أتمنى عندما أعود لبلادي أن تساعدني كابوريرا في استكمال تطوير مهاراتي وسنستمر في التواصل مع بعضنا البعض لأنها مثل عائلتي التي منحتني مفتاح المستقبل. لن أنسى أي لحظة أمضيتها في باليرمو وجميع الأماكن التي زرتها. سأتذكر دوماً تلك الابتسامات والدموع والأشخاص الجدد والأطفال الذين قابلتهم هناك.

سأقدر دوماً الدعم الذي قدمتموه لي، وأتمنى أن أكون قادرة على مشاركة هذه الخبرة مع زملائي وأصدقائي في قريتي الصغيرة في لبنان وفي كل مكان. وأنا على يقين بأنني سأقوم بدعوة أصدقائي من جميع البلدان للمشاركة في نفس المغامرة.

شكرا لكم على كل شيء

شكرا لكم على دعمكم

 

بتول

روزا وكاترينا من المجموعة الثانية في لبنان تتحدثان عن تجربتهما في التنقل

أول ما يشدّ انتباهك عندما تصل بيروت وجود أعداد كبيرة من الجنود، وانتشار نقاط التفتيش في جميع أنحاء المدينة والدولة أيضًا. لقد تأثرت بشكل كبير بمشهد انتشار الجنود والأسلاك الشائكة والحواجز وبدأت أتخيل لبنان كحصنٍ كبير. 

غالبًا ما تلاحظ هذه المشاهد حتى في أبسط أنشطة الحياة اليومية – أثناء ركوب الحافلة أو التنقل بالسيارة أو سيارة أجرة – نقاط التفتيش مع عدد كبير من الجنود والأعلام الصغيرة مع عبارة “الجيش اللبناني”.

على الرغم من أن بيروت تبدو مدينة كبيرة وحديثة تحوي جميع وسائل الراحة، إلا أن انتشار نقاط التفتيش والضوابط تقريبًا في كل حيّ ومنطقة جعل المدينة تظهر كـ”صندوق عسكري” عملاق. عادةً ما تكون إجراءات الرقابة سريعةً جداً (يتحققون من جوازات السفر، وقد يسألونك عن سبب تواجدك في لبنان)، إلا أن الجوّ العام بالنسبة لشخص أجنبي يكون مجهد وقسري.

على الرغم من أن المشاهد الأجنبي يرى فرط الضوابط العسكرية شيء غير طبيعي وغريب حين يشاهد الجيش مدجج بالسلاح ويتنقل في شوارع بيروت، إلا أن هناك مظهر غير عادي من الحياة الطبيعية: يبدو المواطنون اللبنانيون في حالة متوسطة بين القبول السلبي للوضع الراهن (“هذا هو الوضع، ولا يمكن أن يتغير”) وبين الامتنان نوعًا ما لوجود الجيش في حالة عدم الاستقرار في السلطات الحاكمة والخوف من الأحداث في البلدان المجاورة، حيث يضمن الجيش – أو على الأقل شكليًا – الحماية والأمان.

***

لا يقتصر استخدام الحواجز العسكرية على السيطرة على المناطق الحدودية، ولكنها تستخدم بشكل كبير داخل بيروت، مضاعفةً ومضخمةً بذلك الحدود الداخلية، حيث تعمل كجهاز رقابة على الهجرة، وخاصة مع تواجد الكثير من اللاجئين السوريين والفلسطينيين، الذين غالبًا ما قد يكونوا قد عاشوا في المدينة لسنوات عديدة، ولكنهم لا يزالون في حالة تهميش لعدم منحهم مساواة في الحقوق بعد.

برأيي، إن زيادة السيطرة على الحدود ومضاعفتها داخل وخارج الدول تعكس الاتجاه العام في إدارة الهجرة الدولية. تشكل نقاط التفتيش في بيروت حدودًا حقيقية لعدد كبير من الناس الذين يعيشون في مخيمات اللجوء في لبنان بدون وثائق، كما أنها تحدّ من حركة الكثير من الناس الذين يقيمون الآن في الدولة. إن فرض السيطرة الكبيرة على الحدود وعملية الحماية المستمرة بحجة الأزمة السورية وإشاعة أنها تشكل تهديدًا أمنيًا يشكل أكثر من مجرد أداة للحكومة لامتصاص الاستياء الشعبي بسبب الخوف أو العنصرية تجاه اللاجئين السوريين وحسب، ولكنه يعمل أيضًا كجهاز للتمييز الذي ينتج طبقات مختلفة بناء على الحصول على الحقوق، وجعل من الناس المهاجرين عرضة لممارسات مختلفة من الاستغلال.

1

وانطلاقا من هذا الاعتبار، يبدو لي أن الحدود لا تستخدم كمجرد حواجز، وأن الهدف الرئيس لإدارة الحدود ليس منع أو عرقلة تنقل الناس بشكل كامل، ولكنهما جهازان يخلقان درجات مختلفة من الاندماج في المجتمع، وهذا يعني أن الحصول على الحقوق يكون بشكل متباين وأن هناك تعرض للاستغلال. تصبح الحدود أداة للتباين حيث تقوم بتحديد وتصفية الناس من خلال عملية تشمل مختلف أشكال العنف، التي لا يحسد عليها من يتعرض للإجراءات الإقصائية.

كل هذه الاعتبارات من تأمين وإدارة الحدود يذكرني بأوروبا، حيث تم ربط هذه السياسة الجديدة فيما يتعلق بإدارة الحدود بشكل كبير مع سياسات الهجرة المقيِّدة مؤخرًا. سياسة الحدود التي تستخدمها أوروبا واعتبار الهجرة تهديد للأمن والهوية الوطنية والرعاية الاجتماعية يشبه الى حد كبير ما يجري في لبنان. المزيد والمزيد من السيطرة على الحدود الأوروبية: حيث تعتمد زيادة الدوريات في الوقت الحالي على المعدات التكنولوجية المتطورة، حيث تدخل وسائل جديدة في آلية مراقبة الحدود، ولكن لا يزال الهدف من كل هذه الطرق تجنب الهجرة بدل التعبير عنها وإدارتها، لخلق مساحة استثنائية لعدم الاعتراف بالحقوق والمماطلة بها الى أجل غير مسمى.

2

إن إضفاء الطابع المؤسسي على إدارة الحدود في البحر الأبيض المتوسط يعد أحد الأعراض الواضحة لهذه لعملية فرض الحدود، ولكن يجب أن ندرك أن هذه العملية تواجه دائمًا تحديات يسببها المهاجرين الذين يقومون يوميًا بكسر هذا النظام، مما اضطر سياسات التحكم لأن تتعايش مع ممارسات الهجرة التي تتجاوز هيكليا هذه الأساليب. أود تأكيد أهمية الاعتراف بأن الحدود ليست شيء ثابت بشكل نهائي، ولكنها مكان للضغط بين الإنكار والوصول والتنقل وشل الحركة.

إن مراعاة قوة الحدود، ليس فقط من ناحية سلبية، يوفر إمكانية وضع سياسة التحكم الجديدة ضمن منطق أوسع من الحكم والإدارة، بالإضافة الى أننا لن نرى المهاجرين كمحتاجين بل سننظر اليهم كذوات سياسية ناشئة جديدة، حيث هناك إمكانية لتجاوز الخطاب الأمني والإنساني المهترئ، مما يجعل هذه الظاهرة التي تزداد أهمية على الصعيد العالمي أكثر وضوحًا، وهذا يسهم في تنظيم وهيكلة مختلف مجالات حياتنا.

3

 

 

مستشرقٌ في باليرمو: تجربة محمد

caburera-mohammad-palermo-res (1)يمكن دائمًا خداعك لكي تصبح مستشرقًا، على الرغم من معرفتك بكيفية تحول شخصٌ يدعى أحمد الشقيري لمستشرق عندما يقارن دولًا مختلفة، من خلال أخذ الملاحظات بغير سياقاتها واستخدامها، عن سابق بحثٍ أو بدونه، كموضوع للمقارنة حول السياق التي ترد فيه.

بمجرد وصولي إلى إيطاليا بدأت اقنع نفسي بأن لدي ما يكفي من المعرفة والمهارات البحثية لأتعرف على هذه الثقافة، ولكن ما لبثت أن ترجلت من الطائرة حتى بدأت أقع في الأخطاء ذاتها. شكلت صورًا نمطية، وأعمتني أحكامي المسبقة، وجمّلت ورأيت ما أحببت مثاليًا، وابتعدت عن أشياء كنت سأحبها بفعل الأحكام المسبقة.

حلّ هذه المشكلة بسيط: اعترف بالمشكلة، كن متعاطفًا، اسأل واستفسر، استمع بعناية، ابحث، تعلم، من ثم أعد الكرّة. سيوقعك الخوف من الأخطاء بالمزيد من الأخطاء، وستخلق المعلومات الخاطئة أو الملاحظات الزائفة صورًا نمطية. الأمر سهلٌ جدًا بمجرد أنك بدأت تمارسه.

عندما جئت إلى باليرمو لأول مرة، وجدت نفسي أحاول أن أكون أبو العرّيف، اغتررت بنفسي وبمدى معرفتي بتلك الثقافة الجديدة. ولكنني أدركت لاحقّا أنني خدعت نفسي وأصبحت أحمد شقيري رحلة إيطاليا. كان السبيل إلى الخروج من ذلك هو تقبل السائح الصغير داخلي، وأن معرفتي وخبرتي زهيدة، وأن عليّ أن استمع إلى الآخرين، وأن أمرّ بنفس الرحلة لكن من منظور سائح. من أحاول أن أخدع؟ لم يكن لدي سوى ثلاثة أشهر إضافةً إلى موارد محدودة لأتمكن من تعّلم كل شيء. لذلك كان عليّ أن أستفيد بقدر المستطاع.

caburera-mohammad-palermo-res (2) جربت العديد من أنواع الطعام، فقدت الماستركارد خاصتي ومررت بإجراءات استصدار واحدة جديدة، سهرت مع أصدقائي حتى شروق الشمس، ذهبت إلى سوق الخردة، و من الشمس على الشاطئ وكدت أكسر ساقي على الصخور، أكلني البعوض في بيدا، ضعت مرتين في المدينة ولكن لفترة قصيرة لأن لدي GPS الذي أفقد الجميع تجربة الضياع، سافرت ونمت اثنا عشر ساعة في المطار، مرضت وذهبت إلى الطبيب، فاتتني أشياء كثيرة كان يمكنني القيام بها أو مشاهدتها، شعرت بالحنين حتى ذرفت عيني، افتقدت بعض الأشخاص، ودعت الكثيرين وبكيت مرة أخرى، وقعت في روتين الحياة والعمل، مللت، قمت بالعديد من الأمور الأخرى التي يقوم بها السائحون، واستحققت لقب سائح بجدارة.

 

caburera-mohammad-palermo-res (3) لكنني في كل مرة أستجرع فيها تجربتي بين هذه الأحداث الصغيرة أرى مئات المحادثات التي علمتني عن ثقافات مختلفة وتجارب كثيرة علمتني عن نفسي، ولم يزل الكثير ينتظرني. مع أنني غادرت باليرمو، إلا أني سأبقى سائحًا سخيفًا لإن مصالحتي لهذه الفكرة جعلت من زيارتي لباليرمو\أفضل تجربة لي وأكثرها متعة على الإطلاق.

 

يومٌ في القدس؟

سأحكي لكم قصة قصيرة عن فتاة أرادت الذهاب إلى القدس. تعيش هذه الفتاة في قرية صغيرة بالقرب من رام الله وتبغ الخامسة عشر من العمر. لا شيء مميز، مجرد فتاة عادية. قررت في يوم أحدٍ أن تذهب إلى القدس، استحمت في الصباح الباكر، وارتدت ثوبًا أزرق جميل، واستعدت لمغادرة المنزل. كان هذا الثوب هدية من جدها، ربما لم يكن الأكثر أناقة ولكن ذكريات جدها كانت أكثر أهمية.

ركبت الحافلة وسرعان ما لاحظت أنها الأصغر على متنها، ولكنها لم تهتم. على العكس، فقد شعرت بأنها مميزة. لم تكن خائفة، علّمت نفسها ألا تخاف. أوصلتهم الحافلة إلى نقطة أمنية من أجل التفتيش ومواصلة الطريق إلى القدس. شعرت أن المكان أكثر ازدحامًا من آخر مرة كانت فيها هناك، وللحظة لم تكن تعرف إلى أين تذهب. “هذا مستحيل”، همست. “لقد فعلت هذا عدة مرات”. خلال لحظات وجدت مكانها بين الحشد. كانت حذرة للغاية لأنها لم تكن ترد أن تتلف فستانها الجميل.

يبدو أن أحدًا لا يتحرك، أو ربما من الصعب متابعة الحركة بسبب الصراخ. “لمَ يتكرر الأمر في كل مرة؟” همست مرة أخرى. أغلقت عينيها للحظة وتخيلت كما لو أنها تستطيع التحكم بهذا المكان. فكرت بإنشاء ثلاثة مسارب أحدهم للنساء والأطفال، والآخر لكبار السن، والأخير للرجال. بدت ابتسامة رضاً على وجهها. نعم، يمكن لفتاة عادية من قرية أن تحدث فارقًا، يمكنها أن تزيل العبء عن الناس، رغم أنها تعلم أن الرجال والنساء المرتدين لذلك الزيّ من الجانب الآخر سيبقون هناك.

“لااااا”، صرخت قاطعًة حبل أفكارها، عندما قام أحدهم بدفعها واسقاطها أرضًا. “ثوبي”، قالت وهي على وشك أن تنفجر بكاءً، لكنها لم تفعل. وقفت وصرخت أمام الجميع “أنتم تسمحون لهم بالسيطرة عليكم” ثم غادرت. تعلم بأن عليها مواجهة وحشية الناس بذلك الزيَ، وقد تمكنت من ذلك سابقًا. علقت صورة ذلك الرجل من الجانب الآخر في ذهنها وهو ينظر إليهم فرحًا مستشفيًا. “لا” قالت لنفسها، لن أسمح لهم.

 

لم تذهب إلى القدس في ذلك اليوم. في الحقيقة، لم تزر القدس منذ ما يقارب العشرة أعوام.

أخبرتني أن أمرًا واحدًا يثير خوفها، وهو أن يبقى ذلك الزيّ، جنبًا إلى جنب مع ركود المجتمع الفلسطيني.

 

ملاحظة: أي تشابه بين هذه الأحداث والواقع هو محض صدفة. أؤكد لكم أنها قصة خيالية فلا تنزعجوا.

إيفيشيا بسارا

مدونات رحلة أردنية. الفصل الأول: ماريو وسائقو سيارات الأجرة

يجلس ماريو في الأمام، لأن أحدهم أخبرنا في البداية أن النساء هنّ من يجلسن في المقاعد الخلفية. لم أقتنع بالكامل بهذه النصيحة، ولكننا جميعًا نمتثل ضمنيًا لهذه القواعد غير المكتوبة من أعراف السلوك الأردني في معظم الوقت. لذلك قلت أن ماريو يجلس في الأمام ويحيي سائق سيارة أجرة برقيّ، محاولاً بذل قصارى جهده لينطق بشكل صحيح التحية العربية المتعارف عليها: “السلام عليكم”، التي يليها مباشرةً الرد المعروف..

تمر أول بضع دقائق بهدوء. يتعرق السائق بصمت ويتحمل الأزمة المرورية الهائلة. يطلق الراديو أغنية كلاسيكية مصرية. نلعن بصمت الحرارة وقلة وسائل النقل العام في المدينة. يستشعر ماريو الوضع. أستطيع أن أراه يفكر. يبدأ بفتل شعره الأشقر بشكل وسواسي، أصبح يتململ، وبدأ المقعد الجلدي البالي تحته يشعره بالحكة.

استدالر نحوي: ” كيف يمكنني أن أقول هل أستطيع أن أدخن هنا بالعربية؟ ” أقول له. يفكر بالأمر. ثم يسألني مرة أخرى. أرددها مرة أخرى. يفكر قليلًا بعد. ثم يحاول أخيرًا. “ممكن أدخن هون؟”. أعلم أنه ليس بحاجة لأن يدخن حقاً. ما يريده هو أن يبدأ محادثة. يبتسم الرجل بشكل أكبر ويقدم له سيجارة. يشكره ماريو ويريه أنه يحمل علبته ويقابله بالمثل مقدمًا له سيجارة، ولكن بعد مفاوضات طويلة، ينتهي الأمر بأن يقبل سيجارة من الرجل. لا أعلم كيف ومتى يبدأ الأمر ولا بأي لغة، ولكنك تجدهم فجأة في محادثة معقدة وعميقة بتشكيلة رائعة من المواضيع المثيرة.

يخضع هذا النمط لتغيرات صغيرة لا يمكن التنبؤ بها، بنتائج غير متوقعة عادة ما تكون رائعة.

ذات مرة، كان هناك علاقة مفاتيح على شكل قفاز ملاكمة تتدلى من مرآة المنتصف، وكانت بألوان علم بلد لا أذكره، بلد ما وسط آسيا. أشار لها ماريو، نطق اسم البلد مصحوبًا بعلامة استفهام. انتهى الأمر بعرض السائق فيديوهات مباريات ملاكمة على هاتفه المحمول. لقد كان الرجل ملاكمًا محترفًا في بلاده. ولكن كان عليه أن يتوقف في ذلك الحين بدون وجود المال أو الوقت.

في يوم آخر، أخبره سائق سيارة أجرة أنه كان معلقًا رياضيًا معروفًا في العالم العربي، كما كان لديه تسجيلات على هاتفه الذكي. استمعنا له. كان لديه صوت حماسيّ قوي. بدأ هو وماريو الحديث عن نابولي وكرة القدم الإيطالية بشكل عام، حتى أنه كان يعرف أسماء لاعبي كرة في الدرجة الثالثة من الدوري الايطالي.

في مرات عديدة يكون سائق سيارة الأجرة فلسطيني. نسأله من أي مدينة هو وعندما تكون الإجابة نابلس مثلًا، تسترجعنا ذكريات رحلتنا الأخيرة إلى الضفة الغربية، وبدلًا من سؤاله عنها نفاجئه بتجربتنا الخاصة، كم أحببنا فلسطين ومدى جمالها وماذا فعلنا وزرنا وأكلنا. نرى الفخر والحزن في عيون الرجل ونكتفي نحن بابتسامة.

تحدثت وماريو ذات مرةً، لا أذكر إن كنت من بدأ المحادثة، أو إن بدأها هو، أو إن تخيلت هذا الحوار معه، ربما حدث هذا في ذهني، ولكن كل هذه التفاصيل لا تهم. حدث ذلك بعد ركوبنا  مع سائق سيارة أجرة مجنون كان يقود بسرعة عالية وبطريقة متعرجة يسابق بين السيارات، مشغلًا صوت موسيقى الديسكو على الراديو بأعلى ما يمكن وهو يرقص في مقعده ويتحدث بسرعة تماثل سرعة قيادته للسيارة، عن كرة القدم وإيطاليا والسيارات باهظة الثمن والمهاجرين الفلبينيين. بدأت وماريو نعطي تخمينات عن حياة هذا الرجل، هل لديه زوجة تنتظره بعد قيادته المجنونة، وماذا يقول لها عند عودته، وهل تبقى مستيقظةً تنتظره عندما يتأخر في عودته، وهل يمر بمقهى ليدخن الأرجيلة مع أصدقائه قبل الذهاب إلى المنزل . لا أستطيع أن أشرح حقا لماذا ظننت أن هذا شيء جدير بالذكر أو التذكر. اعتقد انني شعرت أننا كنا تقاسم متعة “التجسس” ، وهذا “الفضول” عن حياة الغرباء.. ألم يحدث هذا معك أبدًا، أن تنظر إلى نافذة وتحاول أن تتخيل حياة الناس الذين يعيشون هناك؟

ولكن في بعض الأحيان، في الليل عادةً ، يملأ صوت راديو سيارة الأجرة تلاوة أخاذة من القرآن الكريم. نحافظ جميعنا على الهدوء، ونلتزم صمت الرجل المستغرق بقيادته الهادئة، ونغرق نحن في أفكارنا الخاصة، نفكر في أضواء المدينة، وندع صوت التجويد يهمهم لنا حتى نصل إلى المنزل.

لدى ماريو أسلوبه الخاص ليحدث ثغرة في الجدار الذي يقف عادة بين الغرباء الذين يعرفون أنهم سيقضون معًا بضع دقائق عرضية فقط. اعتقد أنه ربما قد يعجب بشكل أو تجعيدة الشخص أو شيء يملكه. وهكذا يبدأ بسؤاله مستخدمًا تلك الكلمات العربية الثلاث التي تعلمها،  ويدفع الرجل للكلام باللغة الإنجليزية البسيطة التي يعرفها، وعندما تنتهي المخزون اللغوي ينتقل التواصل إلى مستوى آخر، ما يسمونه لغة الجسد، ولكنني أفضل تعريفه على أنه شيء خارق للطبيعة .

هذه الرحلات القصيرة على طول شوارع عمان، والتي قد تمر مرور الكرام خلال جريان الحياة الفوضوي، تعطينا لمحة عن كمية الإنسانية المتكونة مصادفًة. من المفترض أن ينقلنا السائق إلى الجانب الآخر من المدينة فقط، ولكنه يتيح لنا القيام بجولة في عوالمه المصغرة، كاشفًا أجزاء من حياة وأحلام وذكريات وتجارب لم نكن لنراها لو اكتفينا بالتحديق من خلال النافذة فقط.

أليسيا كارنيفالي

باليرمو ذات الفتن العديدة

العيش في باليرمو

اسمي حسين الصمادي من الأردن، وأعمل في المحاماة وفي مجال حقوق الإنسان. قررت أن أتقدم للمشروع لأنني رغبت في اكتشاف ثقافات ولغات أخرى وطرق حياة أخرى، فضلا عن رغبتي في مشاركة خبراتي، فكانت رحلتي إلى باليرمو من أفضل القرارات التي اتخذتها في حياتي.

أثناء فترة تنقلي عملت في المنظمة الشبابية لحقوق الإنسان، وركزت على حقوق اللاجئين والنساء، وتعلمت أمورا كثيرة في مهنتي والتقيت الكثير من الأطفال الحلوين والناس الطيبين.

أما الآن فدعوني أخبركم عن باليرمو. أهلها لطفاء ويحبون المرح والضحك ولكنهم مجانين في قيادة السيارات، ولديهم أفضل السهرات التي تريد. فما عليك سوى أن تسأل عن أماكن الموسيقى المتناثرة في أرجاء المدينة. ولديهم أطعمة كثيرة في المطاعم، وهي شهية وزهيدة الثمن جدا. وتتميز أيضا بشواطئها الكثيرة والجميلة وجبالها الخضراء الخلابة، فضلا عن الكثير من التاريخ من جميع الأجيال والعصور. وأسعارها زهيدة جدا. إنها مدينة جميلة لعيشة هادئة.

أنا في غاية السعادة لاختياري باليرمو في هذا المشروع، فقد قابلت أناسا كثيرين لن أنساهم أبدا، وتعلمت أمورا جديدة كثيرة حول الثقافة واللغة والطعام والجنسيات. وسأرجع يوما إلى مدينة باليرمو الجميلة وأزور الأصدقاء الجدد الذين التقيتهم. فأنا مشتاق جدا إليها.

وفي الختام، أشكر سيسيي ومركز الحياة على إتاحتهم لي هذه الفرصة.

hussain

روعة الحياة في باليرمو

تجربتي الشخصية في باليرمو

  11836747_10207240949882999_7327538474498812988_nاسمي دعاء مبيضين. خضت تجربتي في مدينة باليرمو التي تقع في جنوب ايطاليا. تشتهر باليرمو بالتراث المعماري والفني والثقافي، وهناك العديد من المتاحف والفنون في الشوارع وخصوصاً في مركز المدينة، بالإضافة إلى وجود العديد من المكتبات العامة.

وفي حقيقة الأمر، تفاجأت كثيراً عندما رأيت الحياة الليلية هناك، فالمدينة لا تنام والشوارع مليئة دائما بالسيارات والأشخاص الذين يشربون ويأكلون ويرقصون ويتحادثون إلى بعضهم البعض. وتعتبر شيفايتري وميدان ماجوني وميدان مارينا وفوتشيرا  من المناطق المفضلة عندي والموجودة في مركز المدينة. وقد اعتدت الذهاب أنا وأصدقائي إلى هذه المناطق للالتقاء بأشخاص جدد.

وبالنسبة لي، فإن الشيء كان الأكل من الأمور التي أحببتها كثيراً في باليرمو، وخصوصاً الأكل الذي يباع في الشارع حيث أنه رخيص ولذيذ جداً، لذلك يجب عليك تجربة كل شيء، الأكل البحري والسمك وبانينو كون بانيلا (شطيرة الفطائر)،… الخ. يمكن إيجاد ذلك في أي مكان تذهب إليه في باليرمو، ولا يجب عليك الجلوس على الطاولة ودفع مبلغ كبير، فقط ابتاع ما شئت واستمتع بطعامك.

اللغة هي المشكلة الوحيدة التي واجهتني هناك. من الصعب إيجاد شخص يتحدث أو يفهم اللغة الانجليزية، ليس فقط في باليرمو ولكن في مناطق عديدة في ايطاليا وخصوصاً في الجنوب. من الجيد في بعض الأوقات أن تكون برفقة شخص يتحدث اللغة الايطالية.

 

التعليقات المغناطيسية اللئيمة!

إن تفقد ثلاجتي هي من العادات التي كنت أحب وما زلت أعملها، ولكن الآن غدا الأمر أكثر من مجرد عادة لتناول شيء للأكل، فبمجرد وصولي أمام الثالجة ينتابني دفق لامتناهي مِن الذكريات  بسبب التعليقات المغناطيسية الموجودة على الثلاجة والتي كنت قد انتقيتها واشتريتها من كل مكان زرته.

IMG_5278

 لقد عدت مع آلاف الصور والكثير من الهدايا التذكارية، أشياء تخفف علي وطأة الحنين لجمال التجربة التي عشت. ولكن في معظم الأحيان، تعجز هذه المقتنيات عن إحياء ما تفتقده بصورة أو تذكار. إنه شيء تفقد التواصل معه في اللحظة التي تتركه. وفي البرتغال، لقد قابلت نفسي لأول مرة، لقد أتاحت لي الثقاقة هناك والمشتركين الآخرين الذين أصبحوا بمثابة عائلتي تجربة الشعور بالتحرر وتحمل المسؤولية في ذات الوقت، من دون ضغوطات المجتمع وأحكامه على من أنت؟ ومن تكون؟. لقد مرّ شهران منذ عودتي ومازلت أستيقظ كل يوم وأحن للشعور بنفس الشيء. أنا وأصدقائي لا نزال نحافظ على التواصل بشكل يومي، نتبادل الأفكار ونعبر عن ثقل توقف الحياة عمَّا كانت عليه بالنسبة لنا. لقد كنا نُحترم ونُقدر دُون الحاجة لبذل جهد لاثبات جدارتنا باستحقاق الاحترام والتقدير

20150730_124819   قالت لى إحدى صديقاتي من البرتغال عندما كنا نودع بعضنا: أما الآن فقد أصبحت تعرفين ماذا تريدين ويمكنك تحقيقه!! حقيقةً لا أعلم إذا ما كنت قد قابلت أشخاصاً حُكماء أم أن كافة الناس في البرتغال حكماء جداً.

 

على كل حال، لقد نسيت ماذا كنت أريد من الثلاجة.

سارة قباني

ذكرياتٌ لا تنسى

faro fetsival    في كل مرة ستمُرّ على الصور الخاصة بك، ستجد ملف معين يربطك بتاريخ معين، وستشعر دائماً بأنك متحمس لفتحه إلا أن هناك ما يجعلك تخشى ذلك.

يناسب الوقت وأنت تفكر بأن ذاكرتك أضعف من أن تحتفظ بكل هذه الصور الملونة. تفكر بأنك مع الوقت ستنسى جميع هذه التجارب اللائي عشت، والاشخاص الذين قابلت وشاركتهم اللحظات الرائعة. وكأنهم كانوا مجرد غرباء مرّوا للحظة في حياتك وَرحلوا. وكأنك لن تشعر حتى بالحزن لخسارتهم. ولكن هذه الذاكرة الضعيفة ولأول مرة بكل سخافة وسخرية ستخذلك. وفجأة ستتعلق جميع التفاصيل الصغيرة في ذاكرتك وستسمر أمام عينيك ما بقيت

وستستمر الحياة… إنها قاعدة طبيعية لا نستطيع تغييرها، ولكن وأنت تمضي في الحياة سَتُبقي على ماضيك كأنه حاضرك، وستأخذ معك الدروس الصغيرة التي علمتك أن تقاوم وتمضي قُدُماً.

20150612_111019

والآن وقد حطت رِحالي في بلدي، لأعمل بين جميع أشرطة السينما هذه تحمل في طياتها تاريخ السينما والأشخاص والثقافة، يخالني حين نحاول تنظيفهم والحفاظ عليهم بأننا نَستعيد ذاكرة أمة بأكملها. يمكنني القول بأن سفري إلى البرتغال قد جَعلني أُدرك قيمة الذكرى، أما عَودتي إلى لبنان فتعمق أهمية المحافظة على الذكرى. والآن أشعر بأنني محظوظة لأنني عشت وأخذت هذه الذكريات الرائعة من تجربتي مع فريق عمل كابوريرا، ذكريات ولحظات سترافقني فيما بقي مِن حياتي.

IMG-20150908-WA0033

IMG-20150908-WA0056

  ريم المهتار

تدريب آنا بوريتو في حركة دعم قضايا الإيدز

بعد قضاء ثلاثة أشهر في بيروت، بدأت العمل في حركة دعم قضايا الإيدز في فارو، وهي مدينة تقع ضمن منطقة معروفة باسم الجارف في جنوب البرتغال.

حركة دعم قضايا الإيدز منظمة خاصة غير ربحية سُجلت في الثالث عشر من أيار عام 1992.

تهدف حركة دعم قضايا الإيدز إلى تطوير وتعزيز وضمان تقديم الخدمات للفئات التي  تعاني من مشاكل اجتماعية، مثل فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، وإدمان المخدرات، والمشاكل الجنسية، والمشردين، والمهاجرين، والأقليات العرقية، والفئات المهمشة. وتهدف كذلك إلى المساهمة في العلاج، والتنمية الاجتماعية، والتكامل، والانخراط في الاجتماعي، والوقاية والتوعية بالإجراءات المتبعة. وأخيراً، ترغب هذه الحركة بتمرير قيمها إلى كل من يتعامل معها، من المسؤولية الاجتماعية، والتضامن، والأخلاق، والتفاني، والعدالة الاجتماعية، والالتزام، والكفاءة، والمهنية، والنزاهة، والطموح، والشفافية، والكفاءة، والتعاون، والمشاركة والوحدة. الصورة التالية تظهر الفريق الرائع الذي أعمل معه (أظهر أنا وراء الورقة البرتقالية  في أعلى اليسار!)

Ana 1 05oct2015

تقوم حركة دعم قضايا الإيدز على العديد من المشاريع الجارية حيث أشارك أنا في بعضها مثل:

مركز الإسكان المؤقت:

ويستضيف المشروع أفراد يعيشون في حالة تمزق اجتماعي (بلا مأوى)، لا يعانون من مشاكل جسدية أو نفسية ما يحتاج عناية طبية خاصة. ويهدف هذا المشروع لدمج الأشخاص المتضررين من ظواهر الإقصاء في المجتمع. ويستند تدخل الحركة على رعاية ومتابعة المستفيدين، وتعزيز مهاراتهم وعاداتهم اليومية (النظافة والعناية الشخصية والروتين اليومي). ويتضمن هذا المشروع تسعة مستفيدين.

مركز المتابعة والرعاية النفسية:

يعزز هذا المشروع خدمات الرعاية النفسية والاجتماعية، والمتابعة على مستوى الفرد والأسرة، وذلك بهدف تحقيق التكامل الاجتماعي من خلال التدريب، وفي الوقت نفسه، ينظم بأنشطة نفسية واجتماعية للفئة المستهدفة. يفيد هذا المشروع ما بين خمسٍ وثلاثين وستين فردًا.

خدمة الدعم المنزلي:

يوفر المشروع الرعاية المنزلية للأشخاص المصابين والمتأثرين بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، ويوفر الدعم النفسي والاجتماعي، والنظافة الشخصية والمنزلية، والمواد الغذائية، وغسيل الملابس، والنقل، ومتابعة الرعاية الطبية، وإعداد وترتيب العلاج الطبي. يخدم هذا المشروع خمس عشرة فردًا.

الخلية السكنية

ويدعم المشروع بشكل مؤقت المشردين المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز. ويستضيف هذا المشروع خمسة مستفيدين يمكنهم ويدمجهم اجتماعيًا.

فرق الدعم الاجتماعي المباشر

يقدم الفريق متعدد الاختصاصات الدعم الفردي للأشخاص الذين يعانون مشاكل محددة لتقنين السلوكيات المحفوفة بالمخاطر. يتم التدخل يوميًا من خلال الزيارات الميدانية لتقديم المواد المعقمة، وتوزيع المواد الوقائية، والدعم الاجتماعي والنفسي وتقديم المعلومات والمعارف المرتبطة بالصحة. يُجري هذا المشروع حملات توعية في المدارس والمجتمع ويفيد ما يقارب المائتي شخص شهريًا.

حملة رواد الليل 2

ويستهدف المشروع العاملين أو زبائن الاتجار بالجنس، حيث يمكنّهم من الاستفادة من الدعم الطبي لتنظيم الأسرة، وكشف الأمراض الجنسية، والتطعيم المجاني (التهاب الكبد ب والكزاز والدفتريا)، والدعم النفسي والاجتماعي، وتقديم المشورة، وغسيل الملابس وتوفيرها، والاستحمام، لغوية الوساطة، والنقل، والإرشادات المتعلقة بمسائل القانون. يدعم هذا المشروع شهريًا مائة وخمسين مستفيدًا.

نعتني بك!

ويهدف هذا المشروع إلى المساهمة في الحد من تعاطي المخدرات، للحد من الأمراض التي تنتقل عن طريق الدم أو الجنس، لتوفير فحص فيروس نقص المناعة البشرية وتوفير الخدمات الصحية والاجتماعية للمجموعة المستهدفة.

 

ترويج برامج وحملات أخرى

مثل حملة “قِي نَفسك” التي تساهم في الحد من انتشار فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز وأمراض جنسية أخرى في المجتمع.

أظهر منهمكة في العمل في الصورة التالية!

شكرًا لهذه التجربة الرائعة!

Ana 2 05oct2015

آنا باريتو