التحديات مع كابوريرا- تجربة زهراء

التحديات مع كابوريرا- تجربة زهراء

Challenges with CaBuReRa: Zahraa’s experienceاسمي زهراء نمر من لبنان وبالتحديد من سهل البقاع. ولدت وعشت حياتي في مدينة بعلبك. أعمل كخبيرة آثار وترميم، والتحقت حالياً في جامعة لبنانية  لأكمل مرحلة دراسات ما بعد الدكتوراه. من هواياتي القراءة والكتابة الإبداعية، وهدفي في الحياة هو أن أصنع الفرق بأي وسيلة ممكنة والاستمرار في العيش ضمن أفكار الأشخاص الذين أحبهم حتى بعد انتهاء هذه الحياة. أكره أنانية الأشخاص في أسلوب حياتهم وكأنهم سيعيشون للأبد. من الممكن وفي بعض الأوقات أن أقول لهؤلاء الأشخاص، تذكر بأن لديك حياة هنا، تأكد من استغلالها بالكامل وأعط أكثر مما تأخذ وتمتع بحياة سعيدة.

قبل حوالي شهرين، حصلت على تجربة مميزة في مشروع كابوريرا لتعزيز مهاراتي الثقافية والتفاعلية والخوض في تجربة جديدة في إدارة المشاريع والحصول على فرصة جديدة للسفر إلى الخارج، بالإضافة إلى تعلم اللغة الايطالية الرائعة. وعليه، انتقلت إلى مدينة صغيرة تسمى باليرمو تقع في صقلية وهي جزيرة كبيرة في جنوب ايطاليا.

كانت من أجمل الأماكن التي رأيتها في حياتي. ساعد وجودي في مثل هذه الحياة الجميلة على رؤية الحياة من منظور آخر مختلف. كنت سأكون أكثر سعادة أقدر ما أملك وأكون منفتحة في التفكير ولا اَخذ أي شيء كأمر مسلم به وأحب كل شي وكل شخص.

كانت تجربتي في مشروع كابوريرا للشباب من الأمور المذهلة والرائعة. حيث تأثرت بها كثيراً وغيرت نظرتي إلى المعالم وجمعتني بأشخاص وأحداث أبعد كثيراً من حدود خبرتي السابقة المحدودة. أنا سعيدة جداً لحصولي على مثل هذه الفرصة. كانت تجربة مميزة ورائعة على مستويات عدة. حيث كانت بمثابة التحدي الذي عمل على توسيع مداركي فكرياً واجتماعياً. أشعر بأن هذه التجربة كان لها أثر كبير علي شخصياً. وأتيح لي من خلال هذا المشروع فرصة الوصول المباشر إلى ألمع العقول الشابة في كل من الدول الأوروبية والعالم.

أما الآن، وأنا في نهاية الفترة، أود أن أتقدم بالشكر إلى جميع الأشخاص الذين قابلتهم وذلك على جهودهم الكبيرة التي قدموها لي. وأود أيضاً أن أشكر جميع من علموني في مشروع كابوريرا. حيث كانت معرفتهم وحكمتهم بمثابة مساعدة ودعم كبيرين طوال مسيرتي الوظيفية. اعتقد بأن السر وراء نجاحي هو  دعمكم الصادق وإرشادكم الحكيم.

دعوني أنقل إليكم امتناني العظيم لإيمانكم بي. كنتم بمثابة أساتذة وطلاب ومرشدين رائعين ومصدر الهام لي. لقد ألهمتموني متابعة أهدافي بالعمل الشاق والتصميم، وأظهرتم لي قيمة الصدق والأمانة والثقة في العمل.

أقدر حقاً قيمة كل شيء تعلمته منكم. وستبقى هذه التجربة مساهمة رئيسية في نجاحي وانجازاتي وإلى الأبد. وأتطلع حقاً إلى اليوم الذي استطيع فيه فعل نفس الشيء إلى شخص آخر ولن أنساكم أبداً.

مرة أخرى، شكراً لكم على وقتكم ودعمكم وحبكم

 

تيسالونيكي: عاصمة الثقافة والشباب الأوروبية

سالونيك: عاصمة الثقافة والشباب الأوروبية

سالونيك هي ثاني أكبر المدن اليونانية وعاصمة إقليم مقدونيا، وتعتبر مدينة الشباب لأنها تضم جامعتين من أكبر وأشهر الجامعات، وهما جامعة أرسطو وجامعة مقدونيا. ويمكنك أيضا أن تلاحظ  مواقعها الثقافية الكثيرة التي تعود إلى العصور البيزنطية والعثمانية واليونانية.

pic1بدأت تجربتنا في سالونيك بالقطار المزدحم جدا، والذي أقلّنا إلى تلك المدينة الرائعة. ولكن التذاكر كانت قد بيعت جميعها فاضطررنا لشراء تذاكر دون مقاعد لمجرد كسب فرصة زيارة هذه المدينة.

ابتدأ اليوم الأول بإفطار يوناني شهي، في مقدمة أطعمته نوع من المعجنات يطلق عليه “بوغاتسا”. ثم حظينا بزيارة البرج الأبيض الذي يتألف من أربعة طوابق، وهو حافل بتاريخ العصور التي مرت بها سالونيك، وفي الطابق الأخير منه إطلالة على المدينة والبحر. وتابعنا ذلك اليوم بنزهة لطيفة على الأقدام في طريق الواجهة المائية بعد إعادة إنشائه. وكان من أبهى المناظر في المدينة تلك الميادين الجميلة مثل ميادين أرسطو والاسكندر العظيمة، فضلا عن الشوارع الموازية التي تتيح لك مشاهدة المواقع السياحية والتاريخية الهامة واحدا تلو الآخر. pic3

 

وفي اليوم الثاني قمنا بجولة في أماكن تجمع الطلبة، مثل بيت بازار، وهو منطقة حافلة بالمقاهي والمطاعم ولا سيما للطلبة. ثم زرنا قمة تلة مرتفعة تطل على المدينة فيها قلعة تحيط أسوارها بالحصن الداخلي للإيبتابيرجيو. ولحسن الحظ التقينا بشاب يوناني بيده البوزوكي –  وهي أداة موسيقية يونانية أشبه بالعود –  وطلب منه أحد أفراد مجموعتنا أن يعزف عليه، فعزف لنا بعض الموسيقى العربية على حافة القلعة، مما ساعد في إتمام تجربتنا متعددة الثقافات. وختمنا ذلك اليوم باستراحة في مطعم من مطاعم كريت المميزة، وكانت النهاية برحلة طيبة أيضا بعودتنا إلى أثينا عندما وجدنا العديد من المقاعد في القطار.

pic2pic4

وهنالك أيضا بقرب سالونيك يمكنك أن تجد جنة الأرض: منطقة خالكيذيكي. وفيها أجمل شواطئ اليونان، فماؤها صافٍ ومناظرها تأخذ بالألباب، وعلى الخريطة تشبه شوكة الشيطان فلديها أرجل ثلاثة – كما يسمونها – وكل منها له مذاقه الخاص. فالرجل الأولى الأقرب إلى الغرب تمنحك أفضل السهرات وأماكن الحياة الشبابية. وأما الثانية فتتميز بمزاج الاسترخاء وأفضل الأماكن العائلية. وأما الثالثة فلها مرافقها الخاصة مثل الكثير من الأديرة، وهي تحت حكم ذاتي من الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية. ويفخر أهل سالونيك جدا بمنطقة خالكيذيكي، ولديهم طرفة شائعة تقول بأن رجلا من سالونيك توفي وذهب إلى الجنة، فأخذه أحد الملائكة في جولة ليريه أفضل الأماكن ذات الإطلالات الجميلة في الجنة، وبعد الجولة سأله الملك: هل أحببت تلك الأماكن؟ أليست رائعة؟ فأجاب الرجل: إيييه…بالتأكيد أحببتها، فهي رائعة جدا، ولكن لا شيء يضاهي خالكيذيكي.

pic5

وفي الختام، هنالك مقولة تُظهر دفء سالونيك وأهلها تُنسَب للعالم البيزنطي والسياسي من العصر الباليولوجي الأول نيكوفوروس خومنوس، وهي: لن يبقى أحد دون وطن ما دام السالونيكيين موجودين.

المشاركون في المجموعة المستهدفة الثانية في اليونان : أحمد، هيا، إبراهيم، نهار

رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة

في معظم الأحيان يصّعُب وصف أجمل الأشياء. هناك شيء ساحر في باليريمو، أو قد أطلق عليها اسم “مدينة الحب والحنان”. لديها سحر يفصلك عن بقية العالم. يدفعك هذا السحر لأن تتصرف وتعبر، وتتعلم، وتستمع بوقتك في ذات الوقت. لقد عرفت في تلك اللحظة التي قالت فيها المضيفة “مرحبا يا أنسة، أهلاً بك في إيطاليا” أن رحلة الألف ميل قد بدأت.

caburera_palermo_Muna res

سأكون ممتنة دائمة للفرصة التي حظيت بها لاكتساب الخبرة من التدريب في باليرمو، وسأعتز بها أكثر من خبرتي في العمل لحد الآن. لقد انخرطت خلال أول شهرين في باليرمو في ثقافة مختلفة جداً عن ثقافة بلدي. ثقافة سمحت لي بالانفتاح وتوسيع رؤيتي المحدودة للعالم. لقد عرضتني للحظات صعبة وللكثير من المغامرات التي دفعتني أن أغدو أكثر ثقة وأكثر تفكيراً، كما وفتحت لي عدد لامتناهي من الفرص لأتطور على المستوى الفردي.

وكفلسطينية تعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي، حيث يضطر الفلسطينيين للمساومة للحصول على أبسط حقوقهم الإنسانية والموارد الأساسية للحياة، لقد كنت حريصة على استخدام فرصة التنقل هذه لكي أتمكن من مساعدة مهاجرين آخرين أقل حظاً مني في باليرمو. ولحسن الحظ، لقد تمكنت من العمل في ثلاث منظمات متميزة ومختلفة: منظمة شباب حقوق الإنسان، وسانتا كيارا (حضانة للأطفال المهاجرين) والمركز الأوروبي للدراسات والمبادرات.

caburera_palermo_Muna (2) res

لقد سافرت إلى العديد من البلدان المختلفة في أوروبا. ومع ذلك، لم أجد هذا الدعم للقضية الفلسطينية كما وجدت بين الناس هنا في باليرمو. كنت أشعر بسعادة غامرة لاعتراف الإيطاليين بشكل عام بفلسطين وبأحقينا في الأرض؛ مما أوقعني غرام هذا البلك. في باليرمو، تُقبل كما أنت بغض النظر عن دينك، أو لونك، أو اتجاهك السياسي أو حتى فريق كرة القدم المفضل لديك. هناك، أنت حر للتعبير عن أفكارك، وأرائك السياسية وحتى دينك بالطريقة التي تريد دون تلقي أي أحكام.

كم أشعر بالامتنان لكل لحظة سمحتلي باكتشاف الكثير حول ما يعنيه أن أقدر عالم مختلف عما اعتدت عليه والتفاعل مع ناس منحوني منظور إيجابي عن الحياة. ومع مرور الوقت، ستبقى الذكريات معي دائماً، إلا أن بعض من تلك التفاصيل الجميلة القريبة إلى قلبي قد تتلاشى. ومع ذلك، عندما ألقي نظرة على مئات الصور التي أخذت في باليرمو، وأتأمل باعتزاز تلك الابتسامات الكبيرة واللامعة، والوجوه المشرقة والعيون المنبهرة، والمباني القديمة، والكنائس الرائعة مثل الأر نسينا والبر يوسيا، والبحر الجميل والأهم من كل ذلك عندما أرى صور معظم الأشخاص الرائعين الذين سأذكرهم إلى الأبد.

وعلى الرغم من أن تجربتي في باليريمو قد شارفت على الانتهاء، إلا أنها قد أثرت كثيراً على وجهة نظري وأسلوبي في الحياة، وأنا متأكدة بأنني سأعود إلى مدينة الحب مرة أخرى.

!γεια σας – تحية من اليونان: تجربة فتاة أردنية

يدفعك العيش في بلد أجنبي لبناء صداقات غير عادية. ونظرًا لمعرفتي السيئة بالاتجاهات، استغرقني الأمر شهر كامل لأتمكن من الوصول إلى محطة الحافلة، والتي تبعد فقط 10 دقائق عن المنزل سيرًا على الأقدام ، لذلك أصبح نظام التموضع العالمي  (GPS)  وتطبيق خرائط جوجل أعز أصدقائي خلال تواجدي في اليونان.

In Greece, nature is accessible for everybody to enjoy!  في اليونان، التمتع بالطبيعة في متناول الجميع!

ما أحببته في الثقافة اليونانية أن الناس لطيفين جدًا ومستعدين دائمًا للمساعدة والتعامل معهم سهل، حيث ترى المقاهي تعج بالناس طوال اليوم. إضافة إلى أنه لا يمكنني وصف مذاق الطعام اللذيذ مما جعلني أدمن على “الجيروس”.

ما لم أحببه أن المحلات التجارية والبقالات تغلق باكرًا مقارنةً بالأردن، إضافة إلى أن كل شيء يكون مغلقًا أيام الأحد!

أينما تذهب، ستشعر بثراء التراث التاريخي والثقافي لليونان، هناك العديد من الأماكن والمتاحف المرموقة التي يمكن زيارتها، إضافة إلى مختلف الخيارات من أجل الخروج ليلًا، ولكن ما أحبه فعلًا هنا هو أن الاستمتاع بالطبيعة في متناول الجميع! وهناك العديد من الأنشطة التي يمكن القيام بها دون الحاجة إلى القلق من الناحية المادية. مثلًا، تستطيع الذهاب للركض حول المرفأ، أو الذهاب إلى الشاطئ للاستمتاع بالشمس والمياه في أي وقت تشاء، أو مجرد أن تجلس في مكان ما مع منظر جيد، والذي يمكنك إيجاده بسهولة في اليونان لمشاهدة غروب الشمس الرائع.

لقد تمكنا من تكوين الصدقات العادية مع الناس في الأماكن التي نذهب إليه عادةً، ما جعلنا نشعر بالترحيب  والارتباط أكثر باليونان.

ما أريد قوله أن العيش في أثينا لـ3 أشهر سيكون له بالتأكيد مكانة خاصة في قلبي.

سيرين حمارنة

 

يومنا من أجل فلسطين

لقد أنهينا ذلك اليوم العظيم بالدموع والعناق والعاطفة والامتنان، بعد يومين من العمل الدؤوب لكي يبدو كل شيء ممتازا، وقد فاق كل توقعاتنا.

كانت البداية عندما طلب مديرنا أن نعدّ ليوم عن فلسطين، نقدّم بلدنا فيه للعاملين في مؤسسة مابس وعملائها. فظننت في البداية بأن الأمر سهل، إذ يمكن أن نقدم عرضا قصيرا ونجهّز بعض الأطعمة ونريهم الدبكة الشعبية. ولكن كان علينا بعد ذلك أن نجهّز للعرض الموسيقي، وهو ليس بالأمر الهيّن، لأن علينا أن نعدّ كل شيء من الصفر، فنفكر بأدق التفاصيل لكي ننجح في المهمة. وكانت هذه مسؤولية كبيرة ملقاة على أكتافنا لنبيّن حقيقة حياتنا والاحتلال الواقع علينا وتاريخنا وتراثنا وكل شيء. كان علينا أن نكون سفراء لفلسطين ونوصل رسائل التوعية إلى جمهورنا.

 

وهكذا بدأنا من تاريخ فلسطين منذ العصور القديمة حتى عصرنا هذا، بما في ذلك الاحتلال بالتأكيد، وكيف وصلنا إلى حالنا اليوم. وقد كانت صدمة واضحة لمعظمهم لأنهم يستقون كل معلوماتهم عن فلسطين من غالب وسائل الدعاية والإعلام، مما أثار لديهم العديد من التساؤلات.

ثم شكّلنا حلقات بخلفية موسيقية، وأخذ الجميع بالتصفيق والدوران لمحاولة تعلّم الدبكة، بالطريقة الفلسطينية طبعا.

وكذلك انتقل التركيز في ذلك اليوم إلى فقرة الطعام، فكانت البداية من المناقيش على الإفطار مع الشاي بالميرامية، ثم كانت قنبلة اليوم مع “مقلوبة” الدجاج، وكانت تحديا كبيرا، ولكن بفضل الله نجحت ولاقت استحسان الجميع. ولم يتبق الآن سوى أن نعود إلى فلسطين ونفتح مطعما لزميلتنا أوليفيا التي كانت طاهية اليوم المميزة.

وفي الختام، ليت الكلمات تسعفني لوصف ذلك اليوم الرائع ونهايته وتأثيره في نفسي أنا ووسام وأوليفيا وكل الحاضرين، والكلمات التي تفضّل بها مديرنا ومدير مؤسسة مابس. فقد كانت الطريقة التي تحدّثا بها عن زيارتهما إلى فلسطين مؤثرة وأبكتنا. وكان الجميع أيضا متعاطفين لدرجة أشعرتنا بأهمية ذلك اليوم بالنسبة للجميع، ولا نستطيع أن نعبّر عن مدى سرورنا وفخرنا بفرصة إقامة ذلك اليوم.

لبنان: رحلة لم تكن في الحسبان

في نهاية مارس آذار، جاءني دانيل يخبرني بمشروع أوروبي جديد أُطلق عليه (كابوريرا). وكنا حينها نتناول الغداء في مطعم “حبيب دونر كباب” (يا لها من مصادفة عجيبة)، وأثناء كلامه شعرت بالأدرينالين في عروقي يتسارع ويهم بالانفجار. وغمرتني مشاعر متناقضة بين الإيجاب والسلب: هل أبقى أم أسافر؟! وأخيرا قررنا الاجتماع في أنجة لطلب جميع التفاصيل والأوراق التي تحتاج إلى توقيع.

شعرنا بشيء من التخدر بعد ذلك اللقاء، فقد كانت المعلومات كثيرة جدا إلى جانب شعور بالجنون، إذ لم يسبق لأي منا أن درس أو عمل في الخارج، بل لم نغادر حدود مدينتنا الصغيرة، فكانت هذه الفكرة حقا خروجا من منطقة الراحة لدينا. وكان هذا أحد الدواعي الكبيرة لرغبتنا في القيام بالرحلة، لأننا شعرنا بركود ونحتاج ما يحيي أرواحنا، ولعلها فرصة ذهبية ترتقي بمستوانا النفسي والمهني، وكان الأمل يحدونا بأن تفتح لنا أبواب جديدة للمستقبل.

فقررنا الذهاب…

ذعر والدانا من الفكرة، لأن البعض أخبرهم بأن هذا خطر علينا، وأن ذلك البلد ليس آمنا وأن علينا البقاء، وما شابه ذلك.

ولكن المعلومات التي تنقلها وسائل الإعلام عادة ما تُشعرك بالقلق والخوف، والأهم أنها تقدّم لك معلومات غير صحيحة. فالصورة الماثلة في أذهاننا عن الشرق الأوسط – كما يسوّقها الإعلام –  عبارة عن رجال بلحى كبيرة، وحجاب على رؤوس النساء وبراقع على رؤوسهن، وحرب ودمار في كل مكان. وأنا شخصيا لم أجرؤ أن أحضر ملابس قصيرة لأني اعتقدت بأن ذلك يعني عدم الاحترام لأهل ذلك البلد.

وكانت المفاجأة! عندما وصلنا أحسسنا بأننا في أمريكا أو شيء من هذا القبيل، فالنساء يرتدين ما يشتهين من الكعب العالي والثياب القصيرة، وترى عليهن الأظافر الطويلة والشعر الطويل والمساحيق دائما على وجوههن. أما الرجال – بل النساء أيضا – فيتفاخرون بسياراتهم (الموستانج واللامبرجيني والفيراري والبورش والكامارو وغيرها).  وكلما تجولت رأيت من حولك مطعما أو مقهى أمريكيا، من أمثال ستاربكس ودنكين دونتس وماكدونالدز وكنتاكي ودومينوز.

وشعرنا بأن الكثيرين من اللبنانيين (نحن نعيش في بيروت ولذلك نستعمل هذا المثال) يفضلون التشبه بالغرب على أن يكونوا جزءا منه، أي أنهم يرغبون بأن يكونوا أقرب إليه!

لقد جئنا إلى هنا نتوقع أن نرى ونعيش تقاليد الشرق الأوسط، ولكن ذلك كان صعب المنال في بيروت، إلا إذا خرجنا من إطار المراكز المدنية الكبيرة، فإذا قابلنا من يدلنا على من نبحث عنهم فسوف نتمكن من رؤية لبنان وتقاليدها على حقيقتها.

والأهم أن لبنان بلد في غاية الجمال وفيه الكثير مما يستحق المشاهدة! وكانت هذه من أروع المفاجآت حقا في الرحلة. فقد جئنا دون أن نبحث في ميزات هذا البلد، بل جئنا لنستكشفه. وانبهرنا لمّا رأينا ما فيه من الخضرة والجبال والأنهار والأماكن الجميلة، لأن فكرتنا السابقة عن الشرق الأوسط – كما ذكرت – كانت في العموم مرتبطة بالصحراء والجِمال في كل مكان.

لقد كانت تجربتنا رائعة في اللقاء بأناس جدد (سواء من أهل البلاد أو من رفقائنا في السكن). فالناس لطيفون وكرماء جدا ومحبّين دوما للمساعدة، حتى عندما لا تتحدث لغتهم، فكل مرة يجدون طرقا للتفاهم. ووجدنا ما كنا نبحث عنه واستطعنا التواصل مع الجميع، وفي كل مكان وعن كل شيء. ووقعت معنا أحداث طريفة لم يكن أي من أطرافها يتحدث لغة الآخر، ولكننا تمكنّا من فهم بعضنا إلى حد كبير باستخدام لغة الجسد. وهذا يخبرنا بالكثير عن شخصية أهل هذا البلد. وهذه حكاية أخرى…

اعترافات / برشلونة، 13 تموز 2015

إن التجول في المدينة وزيارة المحال التجارية لشراء شيء مميز من الأمور التي ستعوضني عن غيابي في الشهرين الماضيين.

عشت بعيدة عن وطني الأم لفترة سبعة عشر عاما، حيث ولدت خارج بلدي ولم أشعر بحنين الوطن لأن الوطن بالنسبة لي هو المكان الذي تسكن فيه عائلتي.

اليوم هو يوم ميلاد أخوتي وهما الأقرب إلى قلبي وإن لزم الأمر سأمنحهم عيوني. كان تعامل أخوتي وحمايتهم لي دوماً تماماً كما لو كنت أميرتهم الصغيرة. وقد كان هذا الأمر مزعجاً بالنسبة لي لأنه من الصعب أن تعيش بشكل مستقل عندما يكون لديك شخص يعتني بك ويبقي عينيه عليك ويتأكد بأنك سعيد وتشعر بالأمان وتتمتع بصحة جيدة.

لم أتمكن في يوم من الأيام التقاط سماعة الهاتف والقول: ياااااي، يوم ميلاد سعيد!

كانت الأشهر الماضية صعبة وباردة جداً حيث كنت منشغلة في تجربة الحياة الجديدة. لم يكن في هذه المحال التجارية أي شيء مميز لهذه المناسبة، لذلك، بدأت بالتفكير مع أصدقائي حول كيفية تهنئة أخوتي بيوم ميلادهم والسنة الجميلة في حين أننا لم نتكلم كثيراً في الفترة الأخيرة.

تنازلات… هذا ما ستتعامل معه عندما تقرر العيش بعيداً عن بلدك الأصلي وعائلتك وأصدقائك. هذا أول شهر رمضان أقضيه دون عائلتي، كما وسيكون أول عيد أحتفل به بعيداً عن وطني.

تستحق هذه التجربة القرار الشخصي الذي اتخذته ولا شيء يتفوق على التجمع العائلي حول فنجان شاي وحديث دافئ.

Sarah Qabbani

سارة قباني

بيروت

unnamed (1)

يسمونها “باريس الشرق”، ويحلمون بتلك الأيام حين كانت السياحية والاقتصاد مزدهران. بيروت مدينة مختلفة تمامًا في الوقت الحاضر، حيث تنمو دون معرفة ما ينتظرها مستقبلًا. مبانٍ جديدة تشيَّد في كل مكان، وتملأ إعلانات مواقع البناء صور رجال أعمالٍ مشغولين وأسرٍ سعيدة. يحرس جنودٌ الشوارع المزدحمة التي تصهر السيارات الفاخرة الجديدة بسيارات الأجرة قديمة الطراز. محلات المناقيش التقليدية وسلاسل الوجبات السريعة تصطف جبنًا إلى جنب.

بيروت مدينة جاءت من رحم التناقضات، هذا أساسها وتاريخها. يمكن أن يعجبك ذلك أو لا، حتى مواطنيها لا يطيقون ذلك أحيانًا. تطفو على السطح هباتٌ غاصَّة بالكراهية من وقت لآخر، وتجد نفسك أحيانًا تتسائل اذا كان يعقل أن معظم الناس الذين تراهم يمشون في الطرق كانوا فعلًا يطلقون النار على بعضهم البعض منذ وقت ليس ببعيد. كان قد أخبرني أحدهم بأن “كان عليهم أن يشاركوا، كان عليهم أن يختاروا جانبًا”، هذا ينطبق بشكلٍ خاص على الحرب الأهلية.

يحاول الناس لأسباب مفهومة تجنب النقاش، ويتذكرون كيف كانت لا تزال الحياة الليلية جارية بعد غروب الشمس، ولكن ندوبهم لا تزال مرئية حتى اليوم. تُركت بعض المباني مثل الفنادق، والكنائس، وقاعة البلدية مدمرةً كشواهداً عن من ماضٍ، وتظهر ثقوب الرصاص فجأة في كل زاوية في معظم أنحاء المدينة، كاشفةً فورًا المدى الحقيقي للصراع.

بيروت عبارةٌ عن مجموعة أحياء وليس العكس، وهذا ما يميزها تمامًا. يمكنك أن تشعر خلال مشيك في طريق مستقيم بأنك في شارعٍ عربيٍّ صاخب، ثم يبدو كأنك انتقلت إلى شارعٍّ فرنسيٍّ هادئ، وبعدها تعود إلى الحيِّ الأرمنيِّ المعطر، وصولًا إلى وسط المدينة المترف الذي يشبه مانهاتن بناطحات سحابه. في لحظةٍ معينةٍ في المساء، خلال سيرك على امتداد ما كان يعرف باسم الخط الأخضر، وهو الخط السابق لترسيم الحدود بين الجزء الغربي المسلم والشرقي المسيحي للمدينة، يمكنك سماع صوت مؤذن رخيم بوضوح قادم من جانب، يتمازج مع صوت أجراس الكنائس من الجانب الآخر.

unnamed

بيروت نفسها ليست ملكًا لأحد، حتى سكان بيروت يلاحظون الفوضى التي توجِّه المدينة بأكملها بينما يفيها الجميع غرضها، وحيث ينطبق هذا الرسم التجريدي عليهم. مَن يمكنه أن يدعي الحق بأن يكون قلب هذه المدينة؟ الطبقة الرفيعة الغنية أم سكان الضواحي الميسور حالهم؟ آلاف العمالة الوافدة المستقرة في المدينة منذ أجيال، أم اللاجئين السوريين الوافدين حديثًا المقدر عددهم بالمليون؟ ناهيك عن البنغاليون والسودانية الذين يعملون في مهن متواضعة، والفلسطينيين المعزولين الذين يكادون يكونون منسيين في مخيم شاتيلا سيء السمعة للأسف، على مشارف المدينة.

يمكنني أن أتطرق للعدد السخيف من المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدولية المتواجدة هنا، كلٌ منها بهدفه وقيمه ومجال عمله الصغير. ويمكنني أن أتطرق لموضوع انقطاع التيار الكهربائي لمدة ساعة كفيلة بتكبيل تتدفق الوقت، وحركة الغيوم البطيئة في السماء. لم أتطرق لموضوع الطعام الرائع، مبررًا ذلك بأن الكتابة عن الطعام تشبه صلة الرقص بالهندسة المعمارية. قد تشعر كما لو عشرات الأشياء مفقودة في هذا النص، ومن المرجح أنك على حق. ولكن يعود السبب لذلك بأن عليك أن تأتي وتتكشف بيروت بنفسك.

لا تثق بمن يدعي معرفة بيروت بالكامل، لأن روح المدينة تجبرنا على عدم فهمها، حيث تتغير بين لحظةٍ وأخرى ويصعب سبر غورها. هي الشوارع ذاتها تروي لك هذه القصة: سترى كيف أن كلاً منها له اسمه، ولكن لا أحد يتذكر ما هو.

unnamed (2)

داريو مودونو

يلّا، خريجين!

caburera_palermo_Nairouz (4) res أدعى نيروز الغيشان، درست التصميم الداخلي والفنون البصرية وأشارك حاليًا في مشروع سباق التتابع لبناء الخبرات المموُّل من قبل الآلية الأوروبية للجوار والشراكة والمقام في ست دول من حوض البحر الأبيض المتوسط وهي: ايطاليا، اليونان، البرتغال، الأردن، فلسطين، لبنان. يهدف المشروع لاكسابنا خبرات عملية محلية ودولية لتسهيل حصولنا على وظيفة لاحقًا. سأٌقيم 3 أشهر في باليرمو في ايطاليا، وسأقضي 3 أشهر أخرى في الأردن

عندما تقدمت للمشروع في البداية، أردت أن يتم إرسالي إلى البرتغال، وكان خياري الثاني إيطاليا، وبعد المقابلة تم إعلامي بأنني سأتدرب في إيطاليا، شعرت بخيبة الأمل قليلاً لكنني سرعان ما تحمست. قبل أن أنتقل الى صقلية كان لدي بعض المخاوف بخصوص زملاء السكن لأنني لا أعرفهم، ولا أعرف كيف عليّ أن أتعامل مع الثقافات المختلفة. بعد يوم واحد فقط اكتشفت أن مخاوفي لم تكن في مكانها واستطعت أن أكوّن علاقات مع أناس مختلفين، وشعرت على الفور أنني في بيتي.

كانت هذه التجربة لطيفة للغاية: الإلتقاء بأناس من جميع أنحاء العالم، العمل والعيش معهم، تعلم ثقافاتهم وتعلم اللغة الإيطالية.  لقد تطورت من نواحٍ كثيرة من خلال هذه التجربة.

أنا سعيدة جداً وممتنة لهذه التجربة، وسأتقدم لها مرارًا وتكرارًا لو استطعت لأنني أتعلم الكثير. أشعر بأنني أقترب من أهدافي وأعرف نفسي أكثر الآن، حيث أنني أفهم الكثير من الأمور التي لم أكن أعرفها سابقًا، بعضها كان داخلي من قبل، وفي نفس الوقت اكتشف أشياء جديدة يمكنني القيام بها.

 

بخصوص توقعاتي من هذه التجربة:

  1. تعلم اللغة الإيطالية
  2. تطوير لغتي الإنجليزية
  3. التعرف على أشخاص جدد وتعلم الجديد عن ثقافتهم
  4. جدية ودقة أكبر في العمل
  5. كتابة المشاريع حيث كانت مشكلتي دائمًا أن أجد الكلمات المناسبة وأصيغها معًا، هذا الأمر صعب في البداية ولكنني أحاول
  6. معرفة أي برامج تدريبية يمكن أن التحق بها مستقبلًا لأطور نفسي وأكتسب الخبرة
  7. أن أستطيع بخبرتي العملية أن أقدم شيئًا لبلدي

لقد التحقت في هذا البرنامج أيضًا لاكتسب خبرة في التعامل مع الأشخاص المختلفين، لأنني اطمح لأن أعلّم أشخاص آخرين

كيف يكونون واثقين من أنفسهم وأساعدهم بأن يطوروا قدرتهم عندما يتحدثون أمام جمهور.

caburera_palermo_Nairouz (6) res

وَطن تُطوِقه الجدران

قد تترك زيارتك الأولى للضفة الغربية أو قطاع غزة وقعاً كبيراً عليك، أما ماهية الوقع أي إذا ما كان إيجابياً أو سلبياً فهو أمر متروك لك.

يحجب الجدار الهائل الذي يفصل القدس عن بقية الضفة الغربية بصرك عن كافة أشجار الزيتون ويحرمك مشهد الأراضي الذهبية المستلقية على الجهة الأخرى مِنه، إلا أنه يقدم لك بديلا عن كل ذلك الجمال من بالسبائك والأفقية الرمادية المصنوعة من الخرسانة. حيث تقف كل خرسانة لتعلن ولو بالهمس الوهمي بأن “اجتيازها مُحرم وخارق للقانون الإسرائيلي”.

يطاردك مرأى هذا الوحش الرمادي طوال الطريق، لليقظ فيك مشاعر التحسر، وخيبة الأمل، واليأس لِكونك في فلسطينٍ ما توقعت يوما بأن تكون كذلك. وبالرغم مِن شناعة الوحش الحديدي فإن لهذه الدقائق التي تحتاج للمرور عبر أقفاص الحديد، لتفقد جواز سفرك، ومراقبة حركة المرور وضوضاء المدينة، ستستحوذ على نظرك وتوقعاتك التي وجدت نفسها أمام مشهدية مختلفة تماماً. لن ترى دبكة وأشجار الزيتون، بل حشداً  الباعة المتجولين يبيعون أي ما يمكن بيعه من البضائع، وفي زاوية أخرى من الصورة أطفالٌ يلتفون حولك لإثارة انتباهك علَّهم يدفعوك شراء ولاعة أو قِطعة حلوى، وهناك في بعداً آخر للصورة ترى  أمهاتٍ وأطفالاً يلوحون اليدين من شرفاتٍ بعيدة، وعشرات من الشبان والشابات ممن يتسورهم قلق عبور  الحاجز بِسرعة.

ومع كلِ لحظة تمر باتجاه المدينة  ، يمكنك أن ترى مِن خلف نافذة الحافلة  طبيعة تغص بألوانها، وأشجار نخيلٍ، وأبنية شاهقة ، ومخيمات اللاجئين! في الواقع، ما هذا إلا عرضاً بسيطاً لأوجه الاحتلال المعقدة والشائكة.

بعد توقف الانتفاضة الثانية، أي منذ سنة 2003 سورت فلسطين المحتلة بالحواجز والجدران  بذريعة حماية دولة إسرائيل من  وهم العنف الفلسطيني . ومنذ ذلك الحين، أمست مناطق كثر مثل قلنديا، وقلقيلية وبيت لحم، وغيرهن مِن المناطق أسرى  الجدران الضخمة والأسلاك الشائكة. وفي خطوة جديدة  لإجراءات الاحتلال دفع بالضفة الغربية  لتمسي تجلياتٍ للنزوح والحركة المكبلة الحركة، ولمناطقٍ مقسمة، ناهيك عن مباركة إسرائيل للتناقض داخل البيت الفلسطيني لمفاقمة الواقع.

وكان رد فعل الفلسطينيين في مرات عديدة، بتحركات غير متوقعة: وتحويل الوحش الرمادي إلى رقعة لتجلي الإبداع مِن رسم وجرافيتي مثل تلك اللوحات والكتابات الرائعة في بيت لحم. بالإضافة لما قاموا به خلال شهر رمضان حيث تسلقو السبائك الشاهقة للوصول إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة مُخاطِرين بحياتهمناهيك عن المظاهرات التي يقومون بها كل يوم جمعة ضد انتهاك حرمة الممتلكات  في قرية بلعين.

لا نكران لما يجسده الجدار من حدٍ ماديٍ وملموسٍ، إلا أن ظلال عتمته لم تطل عقول وفكر الفلسطينين. كما لن تحاصر هذه الحواجز الأمل ولا يمكن للاحتلال أن يقضي على أي رغبة الفلسطينين في للمستقبل، ومما يخفف العبء بعض الشيء تغيير شكل المقاومة.

لا أحد يعلم كيف سيؤثر الانفصال على التزام الفلسطينيين على المدى الطويل. وبالنسبة لنا كجمهور سلبي في مسرحية جدلية، وللفلسطينيين قبل الجميع هذه السبائك الرمادية التي تجسد رسالة مفادها بأن بأن الدخول ممنوع، بل فهي تعلن بأعلى صوت ممكن بأنها لن تدوم بعد اليوم.

وخلف الجدار؟ بحر لا ينتهي وغزة وأرض العودة.